اليوم : الجمعة 17 يوليو 2015

اتكلمت في المقال الأول عن مرض الادمان بشكل عام وعن ادمان مخدر الهيروين بشكل خاص، وعن إن الادمان مرتبط بالسلوك والأفكار وإن مقاومة الادمان تكمن في مقاومة الفكرة بأفكار مبتكرة تأثر على السلوك وتسيطر على الفكرة، ودي كانت مقدمة موجزة فيها كل الأفكار تقريبا التي ستطرح في المقالات تباعا، والهدف من المقالات هو نقل معايشة حقيقية داخل عالم “الادمان والتعافي” ونتج عن هذة التجربة مجموعة أفكار عن تطوير الفلسفة العلاجية للتعافي من الادمان في مصر.

السقوط:

سقوط مدمن الهيروين لا يعني من وجهة نظري إدمان الشخص للمخدر أو اعتياده عليه، دي نقطة بداية للسقوط بس.

في الحقيقة هي نقطة محورية وفاصلة، نقدر نقول هي لحظة الاستعداد للسقوط، ما بعدها هو الأصعب والأكثر ألما للمدمن ولكل الأشخاص المحيطة به.

بداية السقوط.. جسمانيا وصحيا:

تقريبا كل أجهزة جسمك لا تعمل إلا بالهيروين، من أول عقلك إلى أصبع قدمك الصغير، كل إشارت المخ تشير بالألم فقط، رأسك.. جهازك التنفسي.. أمعائك.. ظهرك.. قدمك، كل جزء في جسمك يصرخ، وكل تفكيرك منصب على كيفية إنهاء الألم، وكل الإجابات في عقلك بتقول كلمة واحدة بس: هيروين “ضرباية”، وبعد تتاولك جرعتك تعود لباقي تفاصيل حياتك اللي مع الوقت بتنحصر في الأكل من باب إنك تقدر تعيش والنوم علشان تصحى تجيب ضرب، ومع الوقت جسمك حرفيا بينشف.. بيبقى شبه تماثيل الشمع.

الأهل:

ودول أكثر الناس تأثرا بادمانك، ودول علاقتك بيهم في رحلة ادمانك بتتطور، من أول الكذب والأذى النفسي والمعنوي والمادي، وبتوصل في أوقات إلى القتل.

الكذب.. وده بيصاحبك من أول الحكاية لنهايتها، من أول ما بيكتشفوا إنك مش طبيعي، وطبعا بيبدأوا يسألوك، فتكذب وتتحجج وتتهرب من أسئلتهم، ولما تبدأ تمد إيدك وتسرق من كل المتواجدين معاك في بيت واحد.. أبوك أمك اخواتك مراتك أولادك، وبرضه تكذب وتتخانق وتهرب كالعادة، ولما يكتشفوا إنك فعلا مدمن، برضه بتكذب، ولما يودوك بالعافية تتعالج وتخرج وأنت بتكذب وتقول مش هاخد مخدرات تاني، وترجع وتكذب وتضرب وتسرق، ويكتشفوا، فتكذب تاني وتالت ومليون، ومش بس كده، الأمر بيوصل للاعتداء والضرب إذا لزم الأمر، لأنك محتاج فلوس تجيب هيروين، وطبعا سهل الأذى البدني يتحول لقتل لموت شخص من دمك أبوك أمك اخواتك مراتك ابنك بنتك على حسب أنت عايش مع مين.. دائرة مغلقة مفزعة بيلف فيها كل شخص قريب منك.

شغلك:

طبعا في أول ادمانك، بتحاول على قد ما تقدر إنك ما يظهرش عليك إنك بتتعاطى مخدرات، ومع الوقت بيظهر غصب عنك  تغيرات في تصرفاتك وفي عاداتك اليومية وسلوكك بشكل عام، وتبدأ تهمل في الشغل وتتأخر أو ما تروحش، مع الوقت تبدأ تستلف من زملائك وما ترجعش الفلوس، وبعد كده تسرق منهم لأنهم خلاص مش هيسلفوك وتتفضح وتترفد أو تتسجن.

محيطك الاجتماعي:

الجيران والأصدقاء في العمارة في الشارع في الحي البواب الكشك اللي على الناصية السوبر ماركت اللي اهلك بيتعاملوا معاه.. هنا بتبدأ تكتشف يعني إيه معنى إنك منبوذ وغير مرغوب فيك، طبعا مع بداية ادمانك ماحدش من أصحابك أو جيرانك بيبقى واخد باله، وبشكل أوضح مش هيعرفوا إلا لما فضايحك تسبق، ده يحكي لده إنك استلفت منه فلوس ومش راضي ترجعها، واحد تاني يقولهم إنك كنت واقف معاه، بعدها تليفونه ضاع.. البواب يقولهم لما يسألوه إنك مستلف منه فلوس.. الأخبار تنتشر في الشارع، وسيرتك تبقى على كل لسان، ويروحوا لأهلك علشان بيصونوا العيش والملح، وأهلك يقولوا لهم: آسفين، ويسددوا ديونك ويقولوا لهم: بس ما حدش يتعامل معاه تاني.. ده لو كان أصحابك وجيرانك عندهم شئ من العقل والإنسانية، وما حدش فيهم مد إيده عليك وكسروا رقبتك من أذاك ليهم.. وواحدة واحدة بيتحول اسمك.. يا إما “البودرجي، أو السرنجاتي، أو الشمام”

هنا يتم الإعلان رسميا عن سقوطك.

وتبدأ روحك في ملامسة القاع، ويصبح كل شئ في الحياة ميزانه الحقيقي لك، هو الميزان الذي يوزن عليه التاجر لك جرامات الهيروين.

تعليقات الموقع

تصويت

اختر افضل مسلسل شاهدته في رمضان ٢٠١٥

View Results

Loading ... Loading ...

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان