مبدأ السمع والطاعة يورث الجهل والنطاعة.. يجعل جماعة من البشر تتحرك على قلب رجل واحد أهطل وبريالة، فإذا تناقشت مع أفرادها، كل على حدا في موضوع واحد.. تجد نفس الإجابات البلهاء هي هي.. بنفس التعبيرات ونفس الألفاظ والصياغة، ومن يحاول منهم أن يخرج على النص المُعتمد.. ويضع لمسته الخاصة، يعتبرونه فلّوطة، ويجب تقويمه وإعادته إلى الصواب، وإعادة تثبيت السوفت وير الموحد في رأسه.. وعليه أن يعتز بالهطل – حرفيا – باعتباره عبقرية واستاذية، يجب تعميمها على العالم كله.
ويجب عليه أن يرى الريالة ماءا رقراقا، فيه لكل داء دواء، وأن يؤمن بأن الساخرين منه ومن ريالته، ما هم إلا مجموعة من الحاقدين الجاهلين المحاربين للجماعة وأفكارها التي لا تشوبها شائبة، فهم وحدهم أصحاب الحق المطلق.. المكلفين بنشر هذا الحق في أرجاء المعمورة.
اما هؤلاء الساخرون، فهم غارقون في الضلال، لا ينعمون بنعمة الهطل ولا يتذوقون لذة الريالة، ومستهترون ومجرمون، ودورهم قادم يوما ما، عندما نمتلك زمام الأمر عاجلا أو آجلا.. إما أن يبصموا بالعشرة على عبقرية الهطل وجمال الريالة، أو يتم التخلص منهم لأنهم مش وش نعمة.
هذا الكيان الأهطل أبو ريالة، لديه شعور بالأفضلية، يجعله لا يرى إلا نفسه، ولا يرى نفسه إلا سيدا للجميع، ولا بد أن يحصل – يوما ما من الجميع – على صك الاعتراف بالسيادة على الجميع.
وحتى يصل إلى هذا الهدف، فهو مستعد لأن يفعل كل ما يمكن فعله، وما لا يمكن فعله.. مستعد تماما، لأن يلعق جميع الأحذية، واصفا هذا التصرف بالحكمة، ومن مقتضيات المرحلة.
ومستعد تماما لأن يخلع ملابسه ويرقص فوق أي طاولة ويهز مؤخرته، واصفا هذا التصرف.. تباسط مع الآخرين، لكسب الود والتأييد حتى يصل الي الهدف.. مستعد تماما لتبني كل باطل حتى يُظهر الحق الذي يؤمن به.
هذا الكيان الأهطل أبو ريالة.. أناني بطبعه.. سهل إغرائه والتغرير به.. عليك فقط أن تمنحه برلمانا، ليمسك فيه بيده وأسنانه، ويتعامى عن كل ما هو دونه، ويتطلع إلى ما هو أعلى.
لا يلتفت إلى أن وجوده في البرلمان، يعني أنه يمثل شعبا طويلا عريضا، بل إن تركيزه كله في ان البرلمان حقه.. منحة من الله على مجهوداته التي بذلها طيلة سنين من لعق وتعر وهز مؤخرة.. حق لا يجب أن ينازعه فيه أحد.
فإذا تم سحل الشعب وقمع الشباب، يصفهم بالمأجورين الحاقدين على النعمة التي نالها، وإذا ثار الشعب ضده واتجه إلى مقر البرلمان في مظاهرة.. يقف الكيان الأهطل بكل أفراده كحائط صد ضد هذه المؤامرة الدنيئة التي لا تريد للهطل الجميل أن يستمرن ولا للريالة العذبة أن تسود. وإذا تم ضرب وسحل الفتيات وتعرية أجسادهن.. ينطلق كورال الكيان الأهطل بأوبريت: “إيه اللي وداها هناك”، وطقطوقة: “لابسة عباية بكباسين”، و”الشباب الغاضب عايزين يهدموا الدولة”.
وإذا هتف الشباب: “بيع بيع بيع.. الثورة يا بديع”، يرفع صوت القرآن الكريم للتغطية على هتافهم.. واذا استمروا في الهتاف، فهم كفار يكرهون كلام الله.
الكيان الأهطل أبو ريالة، التزم تماما بما يملى عليه، حتى حصل على مكسب تلو الآخر.. ظل يطلق الأناشيد الحقيرة بصوت رتيب نذل وجبان تجاه جميع الضحايا في حوادث متلاحقة.. الشباب في شارع محمد محمود.. الأقباط أمام ماسبيرو.. الأولتراس في بورسعيد، وحتى السلفيين في العباسية، لم يجدوا سوى لوم صديقهم الاهطل، وهكذا حتى حصل على الجائزة الكبرى.. مقعد الرئاسة.
وهنا انفجر الهطل وتجلى، وانهمرت سيول الريالة على رؤوس الجميع. اندهش الناس: ما هذا كله؟! ليس هذا ما طالبنا به! نريد عيش وحرية وعدالة اجتماعية .. يرد الأهطل: نعم نعلم ذلك، ولذلك لابد أن نبدأ بنشر الهطل والريالة أولا، حتى نصل إلى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فالهطل هو مفتاح كل ذلك، فلتنهطلوا جميعا لتسعدوا وتتحقق مطالبكم. وعندما يحاول أحدهم إثنائه عن هطله وينصحه بما يجب فعله.. لا يسمع الأهطل.. ولماذا يسمع؟ فهو الآن صاحب الأمر والنهي، ويرد ببساطة وتلقائية طفل بشخة: أنا معايا سرعية.. أنا احكم وحدي.. الرئاسة دي تاعتي أنا وحدي.. ليس دعوة.
لم يصدق الكيان الأهطل أبو ريالة أن الناس سوف ترفض هطله وريالته ويثورون عليه.
وها قد فعلوا ولم يصدق.. إنها مجرد مؤامرة، وهذه الحشود على الشاشة، ما هي إلا فوتوشوب.
فعلا؟! متفاجئ؟! يا راجل! فوتوشوب؟! مؤامرة؟! أنا سمعت الكلام ده فين قبل كده؟
وهوب.. تم ركل الكيان الأهطل أبو ريالة من فوق الكرسي.. ظل يلتفت يمينا ويسارا لم يجد أحدا.. ظل يصرخ: انقلاب انقلاب.. ولكن من سيسمع؟ شباب محمد محمود أم أقباط ماسبيرو أم سلفيو العباسية أم نساء التحرير أم عموم الشعب الذين يحاولون أن يجففوا ريالة الأهطل التي بللت رؤوسهم، ولم تلب مطالبهم؟
الأهطل أبو ريالة الآن.. يرتدي ثوب النضال، ويتهم الجميع بالتخاذل.. الأهطل أبو ريالة الآن يسب القوات المسلحة ويحرض ضد أفرادها، بل ويقتلهم، بعد أن كان بالأمس يرفض مجرد الهتاف ضدها، ويصفه بالمؤامرة أو بقلة الأدب على أقل تقدير.
الأهطل أبو ريالة، بعد أن مارس الأنانية في السلطة، واحتكر الحكم.. يمارسها الآن، وهو خارجها ويحتكر المعارضة، فلا يطيق أن يرى معارضا غير محسوب على الكيان الأهطل، فإذا قام إعلامي أو كاتب من خارج معسكرهم، بانتقاد الأوضاع الحالية.. يطلق الكيان الأهطل أبو ريالة نشيده الجديد: “أكيد بيعارض كده وكده، وأكيد متفقين معاه”- فلا إعلام معارض إلا إعلامهم.. لا إعلاميين معارضين إلا فلولهم الهاربين إلى قطر وتركيا، ويعيشون في بلد موازية لا وجود لها، إلا على شاشات الشرق ومكملين ومقملين ومعفنين وما شابه – وهناك يرددون بتلقائية نفس الطفل أبو شخة: أنا معايا سرعية.. أنا اعارض وحدي.. الثورة دي تاعتي أنا وحدي.. ليس دعوة.