مشهد تكرر كثيرا في الأيام الماضية, سيدة مسنة أو رجل عجوز بيسب الدين للشباب عشان لم يشارك في الانتخابات.. صراحة أنا أجد مثل هذه التصريحات غريبة جدا، وليس لها أي تفسير.. أنهي شباب بالظبط اللي مستنيين إنه يشارك؟! الشباب اللي في السجن ولا الشباب اللي مات ولا الشباب اللي هاجر؟! يمكن متوقعين من الشباب اللي فقد الأمل تماما أو الشباب اللي قرر يقضيها في غيبوبة الحشيش إنه ينزل يشارك في العملية الانتخابية اللي كل الناس عارفة, بما فيهم مؤيدي النظام نفسهم, إن مالهاش أي لازمة.. الدافع الوحيد اللي خلى البعض ينزل يشارك هو الخوف من اكتساح حزب النور, لكن غير كده، لم يكن هناك أي دافع عند أي حد للمشاركة.
رغم تأكيدي على أهمية وجود البرلمان كسلطة تشريعية عشان نتجنب انفراد رئاسة الجمهورية بصلاحيات كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية, لكن في نفس الوقت لا أستطيع أن القي اللوم على الشباب إنه لم يشارك.. يعني الشباب اللي عاش تجربة ثورة يناير وعاش حلم التغيير وحس إن أخيرا مصر بقى فيها بصيص أمل, وبعد ما شاف الإحباط من المجلس العسكري ومن مرسي, و بعد ما شاف الملايين من الشعب نازلة تطالب بعودة كل شيء كما كان في 30 يونيو، وكأن لا ثورة قامت ولا كان فيه حلم إن مصر تبقى محترمة.. شباب إيه اللي يشارك بعد ما شاف البرلمان اللي فات بيتحل بجرة قلم, وبعد ما شاف رئيس جمهورية منتخب بيتقبض عليه, بغض النظر الرئيس ده عمل إيه, لكن كله في النهاية بيؤدي لاستنتاج إن الانتخابات مالهاش أي لازمة.
ثانيا: عشان الشباب يشارك معناها إنه شايف إن فيه تأثير لمشاركته.. طب تعالوا نحسبها مع بعض, لو الشاب ده مؤيد للسيسي, طب ينزل ليه؟ ما السيسي قاعد قاعد وماحدش حايشيله ولو بالطبل البلدي، وحتى لو حاتشيل السيسي في انتخابات, حيرجع ياخدها تاني بالدبابة, فما منهاش فايدة. ولو أنت شاب معارض للسيسي, تنزل برضه تهبب إيه؟! ما هو مفيش أي حد مترشح بيمثلك أصلا.. أصلا مفيش حد يقدر يعارض حتى وهو قاعد في بيتهم, مش كمان يبقى معارض في البرلمان!
الظريف بقى إن الناس دعاة المشاركة لم يكتفوا فقط بسب الدين للشباب, لا.. بل وصل بهم الحال لاتهام الشباب ده بالخيانة وعدم الوطنية.. يعني يبقى الراجل عاش طول عمره مطاطي للنظام، ولما الشباب قرر يثور, نزل في مظاهرة فشخ فيها أحلام الشباب وجاب الجيش يركب البلد، وفي الآخر زعلان إن الشباب مش بيشارك وبيتهمه بالخيانة! يعني قمة البجاحة والاستخفاف.
لن أنسى يوم 11 فبراير 2011 بعد خطاب التنحي لما كنا في التحرير, كان فيه مجموعة كبيرة جدا من الشباب بتطوف الميدان وبتهتف هتاف غريب جدا لا علاقة له بالسياسة والثورة, كانوا بيهتفوا ويقولوا: “حنتجوّز, حنتجوّز”. ساعتها حسيت أد إيه إن الثورة أدت الشباب ده أمل في إنه يعيش حياة محترمة شايف نفسه فيها بيشتغل وبيتجوز وبيفتح بيت، لكن ليه بتطالبوا الشباب إنه يكون عنده نفس الحلم حاليا, ما هو أنتوا فوقتوه على الحقيقة المرة إن مفيش حاجة حتتغير, وحتى لو حاولتوا تغيروها أنتوا يا شباب, حننزل نفشخكوا ونرجع كل حاجة زي ما كانت, ولما يسألكم الشباب ليه بتعملوا كده، حيكون ردكم عليه: “مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق”.. يعني خوفكم من المجهول وحبكم للمشي جنب الحيط حكم على جيل كامل, أو يمكن جيلين, إنه ما يحلمش أو حتى ما يحاولش يحلم.
طبعا مش محتاج استرجع الصورة بتاعت طوابير المشاركة في الانتخابات في 2011 وكمان في 2012، لأن كلكم فاكرين المشهد كان إيه.. ظاهرة الطوابير دي انتهت تماما بعد 30 يونيو, بما فيها الانتخابات الرئاسية اللي كسب فيها السيسي، بالرغم إن اللجنة العليا طلعت بنسبة مشاركة كبيرة، إلا أننا كلنا كنا موجودين وشفنا إن ماكانش فيه لجنة واحدة قدامها طابور، لدرجة إنهم مدوا الانتخابات يوم تاني عشان الناس تييجي.
عدم الإقبال على الانتخابات مش شرط يكون معناه إن شعبية السيسي ضعيفة, لكن المعنى المؤكد هو إن فكرة القدرة على إحداث تغيير وتأثير انتهت من بعد 30 يونيو.. يعني ممكن تكون أغلبية الشعب مؤيدة للسيسي، بس برضه ماحدش حينزل يضيع وقته في عملية مالهاش أي تأثير.
أما بقى الشباب الحقيقي اللي فعلا كان ممكن يلعب دورا في تغيير البلد للأحسن, فزي ما قلت في الأول.. ده معظمه يا إما في السجن، يا إما مات، يا إما هاجر.. نهاية بشعة لحلم جميل من جيل حب يخلي بلده بلد محترمة يقدر يعيش فيها بكرامته.. الشباب ده دفع تمن غالي أوي لمجرد إنه حب يعمل تغيير.. الجيل اللي أكبر منه العجوز ما رحموش, وقرر إنه بدل ما يسيبه يقرر مستقبله، قرر يقضي على مستقبله وياخده معاه للقبر, ولو مش عاجبك حاشتمك وحاخوّنك.
سيبوا الشباب في حاله أرجوكم.. كفاية اللي عملتوه فيه لحد كده.