اليوم : الاثنين 13 إبريل 2015

لا اكتب هذا المقال دفاعا عن المراسلة لمياء حمدين.. مراسلة قناة ON TV لست في مجال إثبات حق أم في رعاية ابنها المريض وفي نفس الوقت تؤدي عملها وتحافظ على لقمة عيشها.. صاحب الحق لا يحتاج لدفاع، لكن يحتاج لإثباته.

لست ضد حملات التعاطف الإلكترونية، فالكثير منها مفيد ووجيه، لكن لنأخذ منحى آخر في حملاتنا، لنهاجم بدلا من أن ندافع.. نطالب بدلا من أن نستدر العطف.

بالرغم من بساطة الصورة التي التقطت للمراسلة، وأن بداية نشرها كانت للسخرية منها، لكن رب ضارة نافعة، إذ تختزل هذه الصورة ورسالتها التي أطلقتها عبر جريدة “خبرك” الإلكترونية كما لا حصر له من الحقوق المنتهكة، وترسم صورة لحياة العاملين والعاملات في قطاعات مهنية، تبدو أنها كما نقول: “كريمة المجتمع”، نظرا للقلة النسبية من توافر فرص العمل فيها.. تظهر كأنها تحقق مزايا تريح العاملين والعاملات بها، إلا أنه كما اظهرت هذه الصورة ثبت العكس تماما، هذه السيدة لم يحقق لها العائد المادى لمهنتها ما يجعل زوجها يستغنى عن السفر وتركها وحيدة مع ابنها وحرمانه من الوجود بجانب ابنه، بل لم تستطع السيدة أن توفر من راتبها أجر جلسية طفل لابنها، فأصطحبته مريضا إلى الشارع لتنهي مهمتها.

اعرف جيدا اللحظة التى يأبى فيها الطفل أن يترك أمه ولو لدقائق طالما هى أمامه، شاهدت “مروة سعودي”، وهى تلقي كلمة في احتفالية بنهاية مشروع كانت تعمل به على خشبة المسرح، واذ بابنها يصعد جريا وراءها، فأمسكت بيده وألقت كلمتها وسط تصفيق من جمهور الحاضرين استمر نحو دقيقتين، مررت منذ أسبوعين فقط بتجربة هي الأولى من نوعها بالنسبة لي، أن اقضى 8 أيام كاملة مع طفلة (فرح) ابنة أصدقائى تحرير وخالد، ورأيت كيف يتعلق الأطفال بأمهم حتى إن فرح كانت تريدني أن احملها أنا وأمها في نفس الوقت.. كان على تحرير أن تقدم مداخلة مدتها ربع ساعة فقط في ورشة عمل دولية، فأوكلت لي مهمة الإمساك بفرح.. بذلت مجهودا خرافيا من أجل إلهائها، وأقنعتها – أولا- أن تقوم بتصوير أمها، وهي تتحدث، وملت بعد عشر دقائق وبدأت في الصياح، فقضينا خمس دقائق اتسلل أنا وهي كي أبطئ قليلا من خطواتها، حتى تنتهي أمها من كلمتها، وعند النهاية كان بيننا وبين المنصة فقط نصف متر، ولو كانت الكلمة قد استمرت لدقيقة أخرى، كانت فرح ستكون هي التي تمسك بالميكرفون وتجلس على المنصة مدلدلة قدميها وتغني أو تصيح، وأنا متأكدة أن القاعة كانت ستصفق حتى تلتهب أيادي الجميع، في المشهدين مع جلالهما، إلا أن ما اتحدث عنه أمر عابر ومؤقت، بخلاف طبيعة عمل المراسلة .

امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصور نائبة البرلمان الإيطالية (ليسيا رونزولي) وابنتها (فيكتوريا) التي أطلقت عليها الصحافة “ابنة البرلمان المدللة”، حيث يمكن أن تجد لها ألبومات صور منذ كانت رضيعة (6 أسابيع) حتى وصلت إلى (18 شهرا).

وصور أخرى لوزيرة الدفاع الإسبانية ( كارمي تشاكون) تمشي في خطوة عسكرية لتتفقد الجنود، وهي حامل تمسك بظهرها، وأمامها أحد الضباط يستعرض أمامها سلاحا ما، وصورة أخرى رسمية فى مقر الوزارة.

مع كامل الاحترام للسيدتين، إلا أن وضعهما مختلف، فالنائبة وصلت إلى البرلمان باختيار شعبي ديمقراطى عبر الانتخابات، بل حصلت النائبة البرلمانية على تكريم من أجل اصطحابها لابنتها، فقد وضعتها مجلة “لوفيجارو الفرنسية” في المركز الثالث على قائمة النساء الأكثر تأثيرا في العالم عام 2010. أما الوزيرة، فقد وصلت إلى منصب قيادي في حزبها وجاءت ممثلة عن حصته في حكومة منتخبة أيضا.. هما ممثلتين لاختيارات شعبية بطريقة أو بأخرى، أما عن لمياء فهي مجبورة على أمرها من أجل الحفاظ على فرصة عمل.. اضطرت لما فعلته للحفاظ عليها، بل إنها مرعوبة من فقدها وتحاول الدفاع عنها، هي تستعطف من أجل الحفاظ على حق واحد من عشرة حقوق على الأقل يكفلها لها الدستور والقانون، ربما تعمل بدون عقد أصلا، وربما تعمل بعقد ينتقص من حقوقها، وربما تحاول ألا تثير المشاكل القانونية لأن هذا القطاع صغير وكل حاجة فيه بتتسمع، ومن الممكن أن تتنازل عن حقوقها إذا فُصلت لتستطيع الحصول على فرصة عمل أخرى حتى لا توصم بأنها “بتاعة مشاكل”.

لكن الأكيد أن لمياء لها الحق في مزايا للعمل، توازى ظروف مهنتها غير التقليدية، والحق في أن تجد حضانة في مكان عملها تطمئن فيها على ابنها، والحق في قانون مهني يحميها، والحق في نقابة تدافع عن حقوقها.

يتبنى البعض أثناء إثارة هذه القضايا رؤية أن إثارة هذه الحقوق وضرورة تفعيلها يأتى بنتيجة سلبية، حيث يفضل في هذه الحالة أصحاب العمل أن لا يوظفوا نساءا من الأساس حتى يتجنبوا هذه المشكلات، فيقلل ذلك من فرصة العمل المتاحة للنساء، لكن قطاع الإعلام يشكل فيه النساء الأغلبية، وليس من السهل الاستغناء عنهن.

لا استطيع الجزم بعدد العاملات من النساء في on tv حتى يكون من واجب القناة إنشاء حضانة توكل إليها رعاية أبناء العاملات، لكن لا يمكن أن تكون مدينة الإنتاج الإعلامى لا يعمل بها مائة سيدة مثلا، فلماذا يوجد حضانة هناك في تلك الأرض الشاسعة، فوفقا لقانون العمل الجديد رقم 12 لسنة 2003 قانون العمل مادة (96) (على صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مكان واحد، أن ينشئ دارا للحضانة أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص. كما تلتزم المنشأت التي تستخدم أقل من مائة عاملة في منطقة واحدة أن تشترك في تنفيذ الإلتزام المنصوص عليه في الفقرة السابقة بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار ممن الوزير المختص)

لكن لماذا لا ينفذ أصحاب هذه القنوات هذا القانون، لأن عقوبة مخالفة هذه المادة أقل بكثير من تكلفة تنفيذها، حيث العقوبة وفقا للمادة (249) من نفس القانون تبدأ من 100 جنيه، ولا تتجاوز 200 جنيه، وتتعدد بعدد من وقعت بشأنهم المخالفة، وكلنا يعرف أن هذا لا يحدث إلا بتحرير محاضر مفتشى العمل، الذين – غالبا – لا يعرف أي منهم مكان مدينة الانتاج الإعلامي أساسا.

أما عن حقها الدستورى.. فقرة (3) من المادة 11 من الدستورالحالي (وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل.. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة)، مادة (12) (العمل حق، وواجب وشرف تكفله الدولة)

لا يوجد نقابة للإعلاميين، وبالتالي حتى من كان منهم عضوا في نقابة الصحفيين، لا يستطيع الشكوى بخصوص عمله في قطاع الإعلام.

يجب الانتهاء من قانون العاملين بقطاع الإعلام.. قانون ينظم عمل قطاع يستثمر فيه مليارات الجنيهات سنويا.. قائم عليهم إعلاميين أعدادهم قليلة، مهما كانت حقوقهم لن تكلف الكثير من حجم عوائده.. نقابة تحمي حقوقهم وحقوقهن، وتنظم مصالح الجميع وفقا لطبيعة وظروف المهنة.

لديها الحق وليس عليها الدفاع عن نفسها، بل عليها المطالبة بحقها وعلينا دعمها.

 

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان