اليوم : الثلاثاء 17 نوفمبر 2015

ذكرتني تلك الإشاعة التي تم اطلاقها قبل أيام حول وفاة المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد، بإشاعة أخرى غزت مختلف الصحف والمواقع قبل عام تماما، ففي مثل هذه الأيام، تناقلت أغلب وسائل الإعلام ومنابر التواصل الاجتماعي، خبرا مفاده أن المذيعة الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري، مصابة بالسرطان وأن أيامها في الحياة أضحت معدودة، بل وذهب بعضهم إلى تحديد عدد هذه الأيام بما يعادل 12 أسبوعا فقط لا غير.

ويبدو أن عددا كبيرا من الصحافيين في ذلك الوقت – وحتى الآن – لم يكلفوا أنفسهم عناء التأكد من أصل هذه الإشاعة، تماما كما لم يتأكدوا من خبر وفاة “جميلة”، ولم يبحثوا عن مدى حقيقة الأخبار التي يطلقها مجانين ما ويتداولها الناس، وذلك باللجوء إلى مصادر ذات مصداقية على الأقل، مما يجعل مثل هذه “السخافات” تنتشر  على نطاق واسع وتتضخم بطريقة عشوائية ومخيفة جدا، فتتورم الكذبة حتى تضيّع الحقيقة تماما في ثناياها، وذلك بسبب الإضافات الخيالية التي يتم تغذيتها بها، إذ لا استطيع أن انسى ما قاله بعض الصحفيين العرب عن أوبرا، وكيف ذهب بعضهم إلى التأكيد بأنها حاليا بصدد التفكير في مصير ثروتها، في حين قال آخرون إنها بدأت اجراءات كتابة وصيتها، وتحدث قسم آخر عن اصابتها بانهيار عصبي جراء الصدمة التي تلقتها، وجزم الصحفيون “المتدكترون” بأنها في مرحلة متأخرة من المرض، بل وكتبوا تصريحات لأطبائها لا يعلم أحد من أين لهم بها.

وبعيدا طبعا عن استحالة تحديد مدة حياة أي مريض بالسرطان بشكل دقيق من طرف أي طبيب – وهو كلام أؤكد عليه هنا بصفتي طبيبة لا صحفية- فإن هذه الإشاعة بالذات فضحت السرطان الذي تعاني منه ماكينات ضخ الأخبار عبر الإعلام العربي، وأعطت قطعا فكرة دقيقة حول مدى صدق بقية الأخبار في كل المجالات، وأؤكد على -“في كل المجالات”- فبعض الوسائل تنقل الأخبار إلى الجمهور بطريقة أقل ما يقال عنها أنها “غير مهنية”، بل وعبثية أحيانا، تعتمد على سياسات سد الفراغ وعدم الخوف من عواقب ترويج الشائعات التي أصبحت بكل تأكيد مشكلة حقيقية تعاني منها الصحافة المهنية التي ما تزال وفية لمسؤوليتها وضميرها، في حين تستفيد منها الصحافة الصفراء، وتضيف عليها بعض التوابل غالبا لأن همها الأساسي هو البحث عن الانتشار وليس عن الحقيقة، وقد يكون من الطبيعي أن نتقبل على مضض انتشار الشائعات الفنية مثلا لتضارب المصادر وصعوبة الوصول إلى من يؤكدها أو ينفيها حين حدوثها، لكن في حالة “إشاعة أوبرا” فإن الوصول إلى الحقيقة كان ممكنا جدا بضغطة زر وبعض التمكن من اللغة الانجليزية لقراءة أخبار من صحف أجنبية موثوقة – وهم يملكون صحفا موثوقة في بلاد الفرنجة لحسن حظهم-. في حين سنظل نحن نبحث عن حل ما بعد أن تحولت الصحافة العربية إلى وسيلة ترويج للإشاعات بدلا من أن تقوم بدورها الرئيسي كمصدر للحقيقة، وإلى وسيلة لهدم مجتمعاتنا وغمرها أكثر فأكثر في الجهل والتخلف والعنف بدلا من أن تكون وسيلة بناء وتثقيف وتنوير، وسنظل نطرح نفس الأسئلة دائما عاما بعد عام بعد عام: متى سيتعالج الإعلام العربي من سرطاناته التي تظهر مضاعفاتها كل يوم في كل شيء؟ ومتى سيتم استئصال كل هذه الأورام ومعالجة توابعها الاجتماعية بجلسات الكيماوي المكثفة؟ ومتى سوف نشفى؟

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك