اليوم : الأحد 10 مايو 2015

 

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.. اكتب لكم اليوم عن: أم حمادة.. تلك المرأة الريفية البسيطة مثلها مثل الملايين من نساء مصر.. عرفتها منذ أكثر من عشرين عاما، فهي زوجة محمد، الأخ الذي يلي زوجي د. نصر حامد أبو زيد، في ترتيب الأخوة والأخوات، وتوءم روحه.

توقف تعليمها عند المرحلة الإعدادية، لأنه في ريف مصر منذ أكثر من ستين عاما، كان يجب أن تبقى الفتاة في البيت عندما تبدأ عليها علامات الأنوثة. عرفت محمد في مرحلة الطفولة، ثم انقطع الاتصال بعد أن قبعت في البيت، إلا من نظرات مختلسة ولقاءات عابرة بالمصادفة.. تقدم لها ووافق والدها، رغم أنه جزار ثري، ومحمد موظف بسيط لا يملك إلا راتبه الضئيل.

عندما تزوجا قال لها: هذه الجنيهات المعدودة هي كل ما احصل عليه كل شهر.ز هل تستطيعين تدبير أمورنا بها؟ أجابت: أيوه وربنا معانا.

رزقا بثلاثة اأبناء وتضاعفت الأعباء وتزايدت على كاهل المرتب البسيط. ماذا تفعل؟ عزة نفسها تمنعها من اللجوء لأبويها.. قررت أن تقوم بحياكة الملابس للمقربين حتى تساعد في مواجهة الأعباء.

رغم الظروف الصعبة، كان الحب بين أبو حمادة وأم حمادة هو السند وعماد البيت.. ليس بالطبع الحب الرومانسي والعبارات، لأن ذلك لم يكن يجوز في الريف.

ومن جهة أخرى كان بيتهما مضيافا، لأن الفقر في نظرهما لا يمنع الكرم والاحتفاء بالضيوف، كما أن الظروف الصعبة لا تمنع من الضحك وخفة الروح و”القعدة الحلوة”.

تحول بالطبع الابن الأكبر إلى شريك في الكفاح من أجل لقمة العيش، وعندما تحسنت الظروف وتخرج الأبناء وتزوجت الابنة رحل محمد فجأة. رحل عنها الزوج و لحبيب والسند ومنبع المودة والرحمة في حياتها. اتذكر لهفتها عليه عندما كان في المستشفى، فكنت أمازحها: “ده حب بقى” أجابت بخجل مشوب ببعض الخوف: “هو عيب؟”.. طمأنتها: “لا طبعا.. من حقك وحقه”.

محمد حاضر معها طوال الوقت.. تتذكر باكية احترامه لها وحنانه ورعايته لها عندما كانت تمرض.. تتعذب لأنه لا يزورها كثيرا في الحلم. تغضب منه لانها حلمت أنه لم يصعد إلى الشقة، بل أرسل لها رسالة مع إحدى فتيات الورشة، وظل في الشارع: “يعني مش قادر يطلع يشوفنى. ينفع يبعتلي الورقة مع البنت!”

أحلامها بسيطة: الستر والصحة لأولادها وأحفادها.. زيارة الأراضي المقدسة، وتتمنى لو تموت بالمدينة لتدفن في البقيع وتبعث مع رسول الله.

هي لا تملك من حطام الدنيا شيئا، لكنها هي في حد ذاتها كنز إنساني ثمين.. حياتها الآن بين القلق على أولادها وانتظار زيارة محمد في المنام والذهاب إلى الجامع وتلاوة القرآن.

هذا بالإضافة إلى عمل الخير.. تاخذ منا فلوس الزكاة ثم تقوم بتوزيعها على المحتاجين بعد أن تتأكد بنفسها أنهم فعلا كذلك. ورغم ظروفها الصحية، فهي تذهب كل أسبوع لتحمي امرأة مشلولة وتساعدها في تلبية احتياجاتها.

أم حمادة هي أختي وصديقتي التي طالما احتضنتني ووقفت بجانبي في الأوقات العصيبة.. اشعر بالراحة والدفء والأمان في بيتها.. تعاملني كملكة متوجة وأحيانا كثيرة تبالغ في ذلك لدرجة إثارة غضبي.. أمازحها كثيرا على النقاب الذي ارتدته: “غطيتي كل حاجة وسبتي شقاوة عينيكي باينة.. أنت من القواعد من النساء.. عايزة توهمي نفسك إنك لسه شابة” فتنطلق ضحكتها الصافية المحببة.. اجد متعة في الحديث بالساعات معها.. متعة أكثر بكثير من الحدىث أحيانا مع حملة المؤهلات العليا، رغم تعليمها البسيط فقد عركتها الحياة وعلمتها، بالإضافة لسرعة بديهتها وفطرتها السليمة النقية، وطبعا خفة دمها وضحكتها الصافية.

باختصار.. أم حمادة هي مثل أعلى بالنسبة لي في القوة والصلابة وقوة الاحتمال والصبر والتضحية وجمال الروح.

بمناسبة يوم المرأة العالمي ادعوا معايا:

ربنا يخليكي ليا يا أم حمادة

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان

اعلان