اليوم : السبت 04 يوليو 2015

اهتمت الصحافة المصرية مؤخرا بنشر دراسات تتناول بعض الأمور الاجتماعية. وأصبح من المتوقع أن تجد بشكل شبه يومي دراسة ما عن موضوع ما، مثال “دراسة علمية تؤكد أن الغضب يقصر العمر”.. “دراسة تؤكد أن الكذب يطيل العمر”، وهكذا.

طبعاً، عادة ما يكتفي القارئ بعنوان الدراسة، وهو – عادة – عنوان مثير، قد لا يدل بشكل مباشر على ما جاء داخل الدراسة أو المقالة. من ناحية أخرى يتناول القارئ ما يراه على أنه مسلم به، طالما بدأ العنوان بكلمة “دراسة”، فكونها دراسة فهي بالتالي علمية مبنية على أسس سليمة للبحث. أخيراً.. لدى كل قارئ ثقة في صحيفة أو موقع ما، فطالما جاء هذا المقال في هذا الموقع الذي يثق به، فهو بالتأكيد مقال موثوق بما جاء فيه.

سأتناول هنا دراسة وخبرا نشرا على صفحات بعض المواقع والصحف الإلكترونية ويخصا المرأة المصرية تحديداً، لنرى هل يستحق كل ما نقرأه أن نثق به هذه الثقة، وهل “الجواب بيبان من عنوانه” فعلا؟

وخد عندك:

جاء الخبر التالي في أحد المواقع: “دراسة: النساء بمصر لا يستطعن الاحتفاظ بسر لأكثر من 38 ساعة”.. قول والمصحف كده! ناهيك عن تعارض العنوان مع المنطق.. دعونا نرى ما جاء بالخبر، الدراسة كما يقول الخبر تمت في جامعة “ميشيجان” الأمريكية، على عينة من 500 امرأة مصرية، اعترف أكثر من 25% منهن أنهن لا يحتفظن بسر إطلاقاً. مبدئيا هناك نسبة ما في الخبر، بالطبع لن تستخدم في العنوان، حيث إن التعميم عامل جذب، فكل النساء المصريات لا يحتفظن بالأسرار.. يا مصيبتي.. ثانياً، هل تركت جامعة “ميشيجان” كل ما لديها من أبحاث علمية ودراسات عن المرأة وقضاياها وقضايا النوع الاجتماعي، وكثفت جهودها لمعرفة هل يمكن للمرأة المصرية الاحتفاظ بالسر أم لا؟ استخدمت كل الكلمات الدالة الممكنة للبحث عن هذه الدراسة المهمة، ولا يوجد يا مؤمن، أي شئ من قريب أو من بعيد، يربط بين هذه الجامعة وهذه الدراسة.. تبحث عن اسم الدكتورة “مارجريت باول” التي كشفت هذا السر الخطير، فلن تجد إلا دكتورة متخصصة في العلاقات الاجتماعية وصاحبة كتب في نفس الموضوع، ولن تجد الرابط بينها وبين الجامعة ولا الدراسة من الأساس.. تبحث عن رابط المصدر فيحيلك لنفس الموقع صاحب الخبر.. تنتهي إلى اللاشئ، لكن سيتنشر الخبر انتشار كلب احرقوا ذيله وأطلقوه في الغيطان، وسيأتي تحت عناوين مختلفة مثل “المرأة المصرية لسانها زالف”.. “المرأة أقدم وكالة أنباء عالمية”.. “المرأة المصرية: سرك في بير مخروم”.. إلى نهاية كل هذا المرح.

خبر آخر جاء تحت العنوان التالي: “أطباء نفسيون: المرأة المصرية “نكدية” والأكثر “كبتاً” و”كآبة” و”كرهاً للحياة”.. وعلماء الاجتماع: تدفع ثمن ذنوب لم تقترفها وترغب في التخلص من حياتها.. والحل في التوازن النفسي الشخصي وتنظيف العقل الجمعي”.. بحكم طريقة النشر الخاصة بالمواقع الاجتماعية، سيظهر لنا الجزء الأول من العنوان الخاص بأن المرأة نكدية وكئيبة وتكره الحياة، وربما يكتفي القارئ بهذا العنوان.. نفتح الخبر، فنجد أن هناك ثلاث أطباء أرادوا لفت نظر المجتمع لطبيعة الضغوط التي تتعرض لها المرأة المصرية، ولم يكن هدفهم وصمها بالصفات الجليلة السابقة التي أبرزها الموقع في عنوانه، فداخل الخبر جاء التالي مثلاً: “فما بالك بالمرأة المصرية التي ثبت أنها تعاني من الانهزام العاطفي الدائم والضغوط التي ترجع لأسباب عاطفية بشكل مستمر ويومي لا ينقطع، فهي دوماً الطرف المنهزم حتى وإن أظهرت عكس ذلك، فهي ضحية فكر قادها إلى هذه الحفرة التي لا تنجو منها أبداً، وهو ما يجعل نسب السيدات المصريات اللاتي يكرهن الحياة ولا يشعرن بالسعادة فيها، ولا يجدن سببا وجيها للعيش فيها سوى الواجبات الملقاة على ظهورهن وليست حقوق من حقهن الحصول عليها، راغبات في تركها وعدم التمسك بها وهي بالنسبة لهم مجرد “أيام وبتعدى””.. جاء في جزء آخر التالي: “إن الإصابة بالأمراض النفسية يأتي تبعاً للعديد من العوامل الضاغطة والتي تعمل على خفض الحالة النفسية وتدهورها بالتدرج، فيصاب المريض بحالة أو اضطراب أو خلل أو قد يتطور إلى مرض نفسي تختلف درجة حدته من حالة إلى أخرى، وهذا تمثيل بسيط لما تمر به المرأة المصرية، فهى تمر بمراحل حياتية كلها تعبيراً عن الاضطهاد والاستهلاك النفسي البين، والذي يؤثر عليها بشكل عميق وداخلي، مما يحول نفسيتها مع مرور السنين إلى ورقة شجر جافة هشة يسهل كسرها وتهشيمها، وقد تصاب في مراحل مختلفة من العمر بأزمات نفسية عديدة وأمراض نفسية حقيقة يلزمها علاج”.

انتشر الجزء الأول من عنوان الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا واسعا، مليئا طبعاً بالسخرية والهجوم على المرأة المصرية.. لم يهتم أحد بما جاء بالمحتوى الداخلي. استشهد الرجال به على صحة الصفات التي وصفوا بها زوجاتهم في السابق.. انتشر الخبر أيضا تحت عنوان: “دراسات تؤكد أن المرأة المصرية الأكثر “نكدا” في العالم.. يا ساتر يا ساتر، وهنا تحول رأي ثلاثة من الأطباء المحترمين إلى دراسة، بقدرة قادر؟!

قد يكون بعض مما جاء في الدراسة الأولى صحيحا، وقد لا يكون، لكن ما يشغلني هنا هو، أين المصدر الذي سيؤكد لي صحة هذه الدارسة من عدمها.. هل اعتمدت هذه الدراسات على منهجية البحث وخصائص العينات، ففي مجتمعات تميل بطبعها للتحيز ضد المرأة، قليلون من سيحاولون التأكد من صحة هذه الدراسات والأخبار، حيث إنهم أميل إلى تصديقها، وكثيرون من سيكتفوا بالعنوانين دون المحتوى.. ستهتم هذه المجتمعات بمثل هذه الدراسات وتنسى دراسات أخرى لها مصادر موثوق بها مثل دراسة للأمم المتحدة تقول إن ” 99.3% من نساء مصر يعانين التحرش الجنسى.. 59.9% يتعرضن لملامسة الجسد.. و54% لمعاكسات كلامية. أو تقرير منظمة اليونسيف لعام 2000 الذي جاء فيه أن في مصر، تذكر 35% من النساء أنهن تعرضن للضرب على أيدي أزواجهن في مرحلة ما من زواجهن. إحصائيات توضح أن نسب النساء المعيلات في مصر تبلغ 30%، وغيرها.

سنقرأ عن هذه الدراسات في الصحف دون توخي الدقة، وستضاف كل مرة طوبة جديدة في حائط التمييز ضد المرأة والصور النمطية عنها، سيرتفع الحائط حتى تضيع خلفه المرأة وحقيقتها.

 

 

 

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان