يقف الجنرال وحيدا وعاريا, لا يحيط به إلا شياطينه, يلمعون في بزاتهم الغالية, تفوح منهم روائح العطور الغالية من ماركات عالمية، وعلى وجوههم المساحيق اللامعة.. الجميع حائرون, ماذا سيقولون للجنرال عن خيبته الأولى, وقد هجرته الجماهير الغفيرة, من هو الشيطان الاول الذي سيهتف في وجهه بالجملة المناسبة:
“بلا جماهير ذاك أفضل جدا, ماذا ستفعل لك الجماهير وأنت الحاكم الأوحد, فما حاجتك للبرلمان؟ أنت السياسي الأوحد, أنت المفكر الأوحد والمثقف الأوحد, والفيلسوف الأوحد، بل إنك طبيب الفلاسفة”.
سيقول آخر:
“آه والله أنت طبيب الفلاسفة, وإنك حنون جدا عليهم, هل تتذكر, أن هذا الشعب لم يجد أبدا من يحنو عليه, غيرك أنت طبعا”
قال ثالث:
“سيدي الرئيس, كنت تنعم على هؤلاء الفقراء والمساكين بمهرجانات مبهجة من آن لآخر.. تنزل النساء فيها للرقص بأجساد مترهلة, وملابس غير أنيقة بالمرة, كنت تتحمل طلاتهم الفقيرة, ها هم يرفضون أن ينزلوا لمزيد من الرقص, إنهم جاهلون يرفضون النعمة, ولا يستحقون عطاياك الكريمة, فلنوقف إذن تلك المهرجانات المبهجة, إنهم لا يستحقونها”.
كان شيطانا ذكيا يقف في ركن بعيد, هتف فجأة:
“ديموقراطية؟! وماذا تعني الديموقراطية غير أن ذلك المفدى الجالس على عرشه, يعرف بقلبه المنير ماذا يدور في عقول وقلوب الملايين الكادحة, إنه يدخل في كل مساء إلى أحلامهم, كما يتسلل إلى هواتفهم الذكية, يستمع إلى همهماتهم الخافضة, أنت تعرف كل شئ, وستحقق لهم أحلامهم من غير أن يقولوا.. أنت ساحر جدا سيدي الجنرال, وهم محظوظون بك”
كان الشيطان الأزرق يتلمظ غيظا ولا يستطيع أن يتناسى جريمة الجماهير، فخرج صوته منفعلا:
“إنهم جاحدون يا سيدي الجنرال, أليسوا هم من استدعوك وأتوا بك وطلبوا منك أن تتولى السلطة؟ إنهم جاحدون يا سيدي وعليك ألا تسامحهم.. اجعل حياتهم مرار, ارفع الأسعار, ابعد الطعام عن متناول يدهم, ارفع أسعار كل حاجاتهم الأساسية, الكهرباء, البنزين, الغاز, حول حياتهم جحيما, مزيدا من الجحيم, ولا يحق لهم أن يعترضوا، فقد انسحبوا بمحض إرادتهم من مهرجانات المفدى”
فلتت ضحكة رقيعة من الركن الذي تقف فيه راقصة السلطان الأولى, لكنها لم تخجل, بل تقدمت خطوتين وادلت بدلوها:
“لماذا أنت حزين يا سيدي, قد قاموا بالمطلوب منهم, أتوا بك على قمة السلطة, الآن عادوا لقواعدهم مرة أخرى, الموقف هو كما كنت, دعهم يواصلون حياتهم في تلك البيوت الفقيرة, يعيشون تلك الحياة في الظل فيما بعد الظل حتى, فما حاجتنا بهم الآن؟”
نظرت لجسده العاري بتفحص وغمزت بعينيها:
“ثم إنك جميل هكذا, جميل جدا, جميل كإله”
بكى الجنرال.. كان يحاول كتمان صوت نشيجه حتى لا يصل خارج القصر, اقتربت منه حيزبونة القصر وقالت له:
“ابك لا تخف, لا جماهير حول القصر, إنهم ليسوا هنا, لن يسمعك أحد”
زاد نشيج الجنرال وخبط بقبضته على مائدة خشبية, كان جسده يرتعش تماما, وعيونه مغلقة وما إن استطاع فتحها حتى قال لهم وهو يلتقط أنفاسه:
“أنتوا عمالين تقولوا لي يا جنرال, يا جنرال, أنا فيلد مارشال يا كلاب”
“هو أنت حاربت ولا شفت فيلد يا جنرال, خلينا نلم خيبتنا التقيلة ونعرف نمشيها إزاي ؟”
“هنمشيها إزاي يعني؟ ما هي ماشية, احب افكركم, بلا جماهير ذاك أفضل جدا”.