(1)
لا اعتقد أنه من الممكن أن تطالعك صورة مثل هذه في أخبار وعناوين الصحف الرئيسية في دولة ما غير مصرنا الحبيبة, تتساءل لماذا؟
أمعن النظر في الصورة جيدا عزيزي القارئ لتفهم ما أرمي إليه.
لا أعرف ما الذي يشير إليه الرجل الواقف بجانب المشير السيسي, و إلى ما يحدق المشير أصلا.. يتضح جيدا أن الشاشات مُطفأة, لا يوجد عليها أي شئ يمكن مشاهدته!
وإذا نظرت عن كثب –عزيزي القارئ- ستجد أن المعدات المستخدمة فيما يمكن أن نعتبره غرفة عمليات تدور فيها نقاشات مهمة حول مستقبل مصر, لابتوب من طراز قديم للغاية, أكل عليه الدهر وشرب, وعصا تشبه أداة تحكم البلاي ستيشين.
أكثر ما لفت نظري في هذه الصورة, مصور الفوتوغرافيا، حاولت أن أستشف ما الذي يثير شغفه بشدة في الحائط ليصوره, يا تُرى ماذا أخبره حسه الصحفي ليقف أمام هذا الحائط, تاركا كل شئ, متناسيا الموقف تماما, مُركزا جُل بصره في هذا المكان, باحثا فيه عن مادة مثيرة للتصوير.
لربما أدرك بفطنته الصحفية المٌتقدة أنه لا شئ في كل هذا الـ”هيلمان” العسكري والـ “شو” الإعلامي الضخم يستدعي أن يقف لحظة أمامه ليصوره.
(2)
أصحو من النوم مليئة بالنشاط والأمل في يوم لطيف, أُمني نفسي بإعداد كوب كبير من النيسكافية لأشربه أثناء تصفُحي للفيسبوك, لكن تتحطم آمالي في لحظة على صخرة الطموح, لا يوجد بالبيت إنترنت, لماذا يا تُرى؟ ظللت أبحث عن السبب أكثر من 20 دقيقة كاملة, وحين لم أعرف ما العُطل, قررت الاتصال بخدمة العملاء, وإذ بي أجد التليفون الأرضي عطلان, فأستشفيت – بذهني الحاضر دائما – أن خدمة الإنترنت مقطوعة لهذا السبب, بسيطة, إن السنترال على بُعد بضع خطوات من البيت, سأذهب وأُقدم شكوى بالعُطل وسيصلحونه وستكون الحياة جميلة بإذن الله.
حين دلفت إلى السنترال, وجدت شابة في منتهى الأناقة تجلس على الكرسي المقابل لمكتب أستاذ أيمن المتهالك.
أستاذ أيمن هو المسؤول عن تسجيل الأعطال وتبليغ الفنيين بها.
ظل أستاذ أيمن يتلقى منها البلاغ تلو الآخر, وكأن تليفونات العائلة كلها مُعطلة, وأنا أنتظر, إلى أن انتهت, فصافحها برفق هامسا: سلامي للباشا, وما لبثت أن خرجت إلا ونظر لي كأني قتلت أمه أمام عينيه:
– “خير عالصبح”
– “تليفون بيتنا عطلان .. وده حضرتك معطلي النت, وبعد إذن سعادتك لو مايضايقكش عايزة أبلغ عن العطل”
– “العنوان ورقم التليفون”
وبعد ان أبلغته بكل المعلومات التي يريدها, وجدته يدونها في كشكول صغير, على عكس شكوى المواطنة الشريفة التي سبقتني, فقد تم إدخالها في الكومبيوتر -الذي بالمناسبة يعود إلى العصر الحجري – في التو واللحظة, وحين أشرت إلى هذا قال بمنتهى السماجة:
“السيستم وقع.. هابعتلك فني الساعة 3″
“أرجوك يا أستاذ أيمن.. أنا محتاجة الإنترنت ضروري.. في مستقبل بيضيع”
“مع السلامة يا آنسة”
كان هذا يوم الأثنين الماضي.. وقد ذهبت إلى السنترال للتبليغ عن العُطل على مدار هذا الأسبوع حوالي 5 مرات, هذا غير التلبيغ عن طريق التليفون المحمول، ولازلت إلى هذه اللحظة بلا نت.. وحيدة شريدة.. أبعث لكم بمقالي من السايبر كفتى مراهق “مزوغ” من الدرس.
لا أعلم حقا متى ينوي أستاذ أيمن أن يُسجل لي شكوتي على الكومبيوتر الحجري, ولا أعلم لماذا لم يتغير السيستم الذي يقع بمجرد أن تخطو قدماي في السنترال, ولا أعلم لم لا تستغني الدولة عن خدمات أستاذ أيمن بعد أن شارف على السبعين من عمره, و لما تصر بلدي الحبيبة أن تحاصرني بالفشل الإداري والعشوائية الصادرين من مراكز اتخاذ القرارات في مصالحها أينما ذهبت!
(3)
نشر منذ بضعة أيام الناشط والروائي السيناوي مُسعد أبو الفجر على حسابه على الفيسبوك منشورا لشخص ما لا أذكر اسمه, كان يتحدث عن الأزمة المرورية الخانقة في مصر.
قال فيما معناه, إنه أثناء متابعته لبرنامج حواري ضيفه الدكتور ممدوح حمزة, استشف من حديثه أن السبب الأساسي للأزمة المرورية الخانقة في مصر ليس كثرة السيارات وضيق الشوارع كما يظن الكثير منا, وإنما سوء الإدارة والعشوائية في التخطيط وفي إصدار القرارات، فالبرغم من كل الكباري والطرق والمشروعات المرورية الكبيرة, لم تُحل الأزمة منذ حوالي أربعين عاما!
ثم قال إنه بالرغم من وجود شرطة للسياحة، إلا أنها لا تُدير الفنادق التي تقوم بتأمينها, وبالرغم من وجود شرطة للآثار, إلا أنها لا تُدير المتاحف التي تحرسها, إذن السؤال هنا, لماذا تقوم وزارة الداخلية بإدارة طرق وشوارع مصر؟! خصوصا إذا كانت فاشلة في هذه الإدارة, فهي تُخطط الميادين وترسم الطرق وتحدد اتجاهات الشوارع وهي غير متمرسة في الإدارة مطلقا! مما ينتج عنه فشل ذريع وعشوائية لا متناهية في إدارة الدولة, ومن ثم إذا منحنا الإدارة لهيئة هندسية مدنية متخصصة لربما نجح الأمر!
جعلني هذا المنشور أُفكر, ماذا لو أن هذه هي المشكلة الرئيسية في مصر؟ ليس فقط فيما يتعلق بالمرور، بل في كل شئ.. ماذا لو أن السبب الرئيسي لما نحن فيه هو أننا نُسلم بإدارة حياتنا لأُناس فاشلون؟ أُناس لا يعرفون سوى القرارات الأي كلام والعشوائية المُفرطة؟ ماذا لو أن الحل السحري هو اختفاء مفهوم “أن تسير أمورنا بالبركة”؟!
(4)
تحتل مصر مراتب مُخزية بين الدول عالميا , فقد أوضح تقرير التنافسية العالمية لعام 2013- 2014 الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي سنويا حول قوة المؤسسات و مستوى الإدارة في الدول, أن مصر حلت في المرتبة الأخيرة بين الدول في جودة التعليم الأساسي، كما أوضح تراجع ترتيب الاقتصاد المحلي 11 مركزا، ليحتل المركز 118 في التقرير مقابل المركز 94 في تقرير 2011- 2012, كما جاء ترتيب المؤسسات المصرية عالميا في المركز 117, وتحتل المركز الـ 142 من حيث الدول الأكثر عجزا في الموازنة, ويبلغ عددهم 144.
وبدلا من أن تُشمر قيادات الدولة عن ساعديها من أجل دفع مكانتها للأمام بين هذه المراتب السيئة, تستمر في إدارة كل شئ بالـ “حنجل والمنجل” وتتحايل على شعبها واهمة إياه أنها “قد الدنيا وهاتفضل قد الدنيا”.
وفي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بتمويل إعلانات صندوق تحيا مصر على شاشات التلفزيون, ينطلق فيها شريف منير بصوت جهوري قائلا بحماسة: “تحيا مصر بقوة شعبها العظيم, لن ترك التعليم ينحدر, لن ينتشر بيننا فيروسي سى, لن تُصبح دولتنا إلا في علياء مجدها, سوف نظل نحارب الإرهاب إلى آخر نفس بصدورنا”, نجد هذه الارقام تواجهنا بالحقيقة المُرة التي لا تريد دولتنا الاعتراف بها, نجد التفجيرات الإرهابية تزداد يوما تلو الآخر, في الوقت الذي تحفنا الدولة بإدارة فاشلة وتعلق أخطاءها على شماعات واهية, نجد الكثير منا يصم أذناه ويُغمض عيناه عن هذا الفشل.
تحكمنا قيادات سياسية عاجزة عن حماية جنودها على الحدود رغم علمها بمواعيد عمليات الهجوم, فاشلة في تأمين شعبها من التفجيرات التي أصبحت تتفاقم وتتخذ شكلا أقوى و مسارا إرهابيا مختلفا عما سبقتها, تقوم بالتخطيط لمشروعات مستقبلية عملاقة تُنفق فيها ملايين الجنيهات، ثم تصبح هشيما تذروه الرياح! وهذا بالطبع ليس بجديد علينا, بل هو ممتد منذ مشروع توشكى وحتى قناة السويس الجديدة, كل هذا وسط تهليل وتصفيق من مُهرجي النظام, الذين هم إما بالغباء الكافي لعدم رؤية الفشل والفساد الإداري في مصر وتصديق “الرؤية” التخطيطية اللولبية التي يضعها لنا هذا النظام, وإما هم مجموعة من المنافقين الأفاقين الذين لا يهمهم أي شئ سوى مصالحهم الشخصية.
اذا أردنا أن نُلخص حال مصر في صورة, فستكون صورة الفقرة الأولى بلا جدال, حيث العشوائية في كل شئ ومن كل الجهات, حيث الفشل المصحوب بالشو الإعلامي الرخيص لتبريره, حيث حالة النكران المسيطرة على قيادات هذه الدولة, حيث لا رقابة ولا قانون إلا على البسطاء أمثالنا, حيث الفساد الإداري المتفشي القابض بتلابيبه على شؤون حياتنا, حيث كل اللي يجيبه ربنا كويس, حيث المهزلة, حيث بلاد “اللالا لاند”.